أحيانًا تشعر وكأن عقلك فجأة صار ضبابيًا، تنسى لماذا دخلت الغرفة أو تكرر نفس السؤال مرتين في اليوم. كثير من الناس يلقون اللوم على التوتر أو قلة النوم، لكن هناك متهم آخر يختبئ على الرف في غرفة الأدوية: بعض الأدوية التي تستخدمها يوميًا قد تكون السبب الحقيقي وراء ضعف التركيز وثغرات الذاكرة. ما هو الأمر المفاجئ أكثر؟ ليست فقط الأدوية النفسية التي تُضعف الذاكرة، بل حتى مضادات الحساسية، أدوية الضغط وحتى أدوية المعدة يمكن أن تترك بصمتها على ذهنك.
الأمر لا يقتصر فقط على الأدوية التي تتوقعها. الجميع سمع عن تأثير مضادات الاكتئاب أو المهدئات على التركيز، لكن، هل خطر ببالك أن بعض أدوية الرشح الشائعة قد تجعلك تنسى المكان الذي وضعت فيه مفاتيح السيارة؟ قائمة الأدوية الطويلة التي تؤثر بشكل سلبي على الذاكرة والتركيز تشمل فئات واسعة:
لو وقفت أمام المرآة وسألت نفسك: لماذا تؤثر هذه الأدوية على الدماغ؟ الجواب ليس بسيطًا كالعادة. أغلب الأدوية المؤثرة على التركيز والذاكرة تتداخل مع المواد الكيميائية الأساسية في الدماغ التي تدير عمليات التفكير والتذكر. لنأخذ مضادات الهيستامين كمثال، فهي تعطل عمل مادة الأستيل كولين، وهي مادة ضرورية للتواصل العصبي في أجزاء الدماغ المسؤولة عن الاستذكار.
أما البنزوديازيبينات فتضخم تأثير "الفرامل" في الجهاز العصبي. بدل أن تكون في قمة يقظتك، يصبح الدماغ أشبه بعربة ثقيلة تحاول الصعود في طريق رملي. حتى أنواع متعددة من أدوية الضغط تؤثر على تدفق الدم للدماغ أو تضعف تحفيز بعض الشبكات العصبية. تأثير الأدوية الأفيونية والمهدئات أشبه بتعتيم المصابيح في الغرفة، كل شيء يصبح باهتًا، الرؤية ممكنة لكن التفاصيل تختفي.
عوامل العمر، حالة الكبد والكلى (المسؤولان عن طرح بقايا الدواء خارج الجسم)، وحتى مزيج الأدوية المتداخلة تلعب دورًا كبيرًا في تفاقم المشكلة. عند كبار السن، المخاصة الذين يتناولون عدة أدوية يوميًا، تظهر الآثار أقوى وأشد، والذاكرة قد تتأثر حتى دون ملاحظة الأسرة والمرضى أنفسهم في البداية. إضافة لذلك، تتفاعل بعض الأدوية مع بعضها بشكل يزيد التأثير الجانبي، فيضعف التركيز دون وجود سبب واضح في التحاليل أو الفحوصات. كل هذه الحقائق تجعل متابعة تغيرات الذاكرة مع بداية أي علاج خطوة ضرورية للجميع.
تخيل أنك تبدأ نسيان المواعيد مهما كنت منظمًا، تكرر نفس السؤال لزوجتك، أو تعجز عن التركيز على محادثة بسيطة. هذه ليست علامات شيخوخة طبيعية فقط، بل قد تكون جرس إنذار بأن دواءك يحتاج إعادة نظر. من العلامات الشائعة:
البعض يعزو هذه التغيرات إلى الضغط اليومي أو التعب، لكن إذا تزامنت الأعراض مع بدء دواء جديد أو زيادة الجرعة، فمن الضروري مراجعة الطبيب. دراسة نشرت في فرنسا في منتصف 2024 كشفت أن 42% ممن يغيرون نظامهم الدوائي لاحظوا تحسنًا في التركيز والذاكرة خلال شهر من توقيف دواء واحد مشتبه به. المثير أن الشباب أيضًا عرضة لهذه الأعراض، خاصة الطلاب الجامعيين ممن يستخدمون أدوية الرشح، أو حتى مسكنات قوية للعضلات لفترات طويلة أثناء الامتحانات.
لا تنسى أن رصد التغيرات الصغيرة والكتابة عنها يساعدك في ربط الأعراض مع الدواء المسبب، حتى تعود بسهولة لطبيبك أو الصيدلي وتطلب المشورة الموجهة.
إذا اكتشفت أو شككت أن أدوية الذاكرة أو غيرها أثرت على قدرتك الذهنية، فهناك حلول عملية كثير منها بيديك اليوم. لا تتوقف عن الدواء فجأة أبدًا—هذا خطر. أول خطوة أن تتحدث مع طبيبك عن معاناتك. ربما يمكن تعديل الجرعة، تبديل الدواء، أو على الأقل تقسيم الجرعات على مدار النهار لتخفيف الأثر على الدماغ. حاول قدر الإمكان:
نصيحة غير متوقعة؟ راقب التغييرات الصغيرة في روتينك اليومي، وتواصل مع دائرتك القريبة لتطلب دعمهم، لأن الغفلة عن الأعراض المبكرة أحيانًا تجعل الضرر دائمًا ولو جزئيا.
تعليقات